الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

فصل : دعوى نسخ أثر الشِّعرة لآيات الصلاة

رسالة : بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده

فصل : دعوى نسخ أثر الشِّعرة لآيات الصلاة

كتب : محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني , تبيين الحق )

التاريخيوم جُبَار ( الثلاثاء ) , 10 من ذي القعدة 1436 هـ , 25 / 8 / 2015 م .

زعم بعض الجهلاء أن الصلاة فرضت في الإسراء وهذا كفر بآيات الصلاة التي نزلت قبل تاريخ الإسراء , بينما يزعم البعض الآخر أنها فرضت في بداية البعثة ولكنها نسخت في أثر الشِّعرة , وهذا كفر أيضاً بآيات الله تحت مسمى النسخ .

قال ابن رجب : ( وقد اجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت ليلة الإسراء، واختلفوا في وقت الإسراء: فقيل: كان بعد البعثة بخمسة عشر شهرا، وهذا القول بعيد جدا. وقيل: أنه كان قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو اشهر.وقيل: قبل الهجرة بسنة واحدة. وقيل: قبلها بستة اشهر. وقيل: كان بعد البعثة بخمس سنين، ورجحه بعضهم، قال: لأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف إنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وقد اجمع العلماء على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. قلت: حكايته الإجماع على صلاة خديجة معه بعد فرض الصلاة غلط محض، ولم يقل هذا أحد ممن يعتد بقوله. وقد خرج أبو يعلى الموصلي والطبراني من حديث إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي، عن جابر، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن خديجة؛ فإنها ماتت قبل أن تنزل الفرائض والأحكام؟ فقال (( أبصرتها على نهر من انهار الجنة، في بيت من قصب، لا لغو فيه ولا نصب )) . وروى الزبير بن بكار، بإسناد ضعيف، عن يونس عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. وقد فرق بعضهم بين الإسراء والمعراج، فجعل المعراج إلى السماوات كما ذكره الله في سورة النجم، وجعل الإسراء إلى بيت المقدس خاصة، كما ذكره الله في سورة { سُبْحانَوزعم أنهما كانا في ليلتين مختلفتين، وان الصلوات فرضت ليلة المعراج لا ليلة الإسراء. وهذا هو الذي ذكره محمد بن سعد في طبقاته عن الواقدي بأسانيد له متعددة، وذكر أن المعراج إلى السماء كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا من المسجد الحرام، وتلك الليلة فرضت الصلوات الخمس، ونزل جبريل فصلى برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات في مواقيتها، وان الإسراء إلى بيت المقدس كان ليلة سبع عشرة ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، من شعب أبي طالب. وما بوب عليه البخاري أن الصلوات فرضت في الإسراء يدل على أن الإسراء عنده والمعراج واحد. والله أعلم ) . ( فتح الباري لابن رجب ) .

وقال ابن نجيم ( زين الدين بن إبراهيم ) : ( وكان فرض الصلوات الخمس ليلة المعراج وهي ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا من مكة إلى السماء وكانت الصلاة قبل الإسراء صلاتين : صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها . قال تعالى : "وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار"  ثم بدأ بالأوقات لتقدم السبب على المسبب والشرط وإن كان كذلك لكن السبب أشرف منه ولكونه شرطا أيضا وقدم الفجر ; لأنه أول النهار أو ; لأنه لا خلاف في أوله ولا آخره أو لأن أول من صلاها آدم عليه السلام حين أهبط من الجنة ، وإنما قدم الظهر في الجامع الصغير ; لأنها أول صلاة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته ، كذا في غاية البيان وبهذا اندفع السؤال المشهور كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر صبيحة ليلة الإسراء التي افترض فيها الصلوات الخمس ، وفي الغاية إن صلاة الفجر أول الخمس في الوجوب ; لأن الفجر صبيحة ليلة الإسراء فيحتاج إلى الجواب عن الفجر وأجاب عنه العراقي أنه كان نائما وقت الصبح والنائم غير مكلف ) . ( البحر الرائق شرح كنز الدقائق ) .

وقال المباركفوري : ( قال الحافظ : ظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقعا في الزمان المقدم ذكره والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه و سلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر أنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه و سلم كان قبل الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا فيصبح على هذا قول من قال إن الفرض أولا كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها والحجة في قوله تعالى " " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " ونحوها من الآيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث انتهى  ) . ( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ) .

تنبيه : لقد صححت خطأهم في  الآية فلقد كتبوا "فسبح" والصواب " وسبح" .

وقال ابن حجر في الفتح : (( ذَهَبَ جَمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْل الْإِسْرَاء صَلَاة مَفْرُوضَة إِلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْر بِهِ مِنْ صَلَاة اللَّيْل مِنْ غَيْر تَحْدِيد , وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ مَفْرُوضَة رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ , وَذَكَرَ الشَّافِعِيّ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ صَلَاة اللَّيْل كَانَتْ مَفْرُوضَة ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " فَصَارَ الْفَرْض قِيَام بَعْض اللَّيْل , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْس )) . انتهى  .

فالفريق الأول يكفر بآيات الصلاة التي نزلت قبل الإسراء والتي تأمر بالصلاة بالعشي والإبكار .

والفريق  الثاني ينسخ آيات الصلاة التي نزلت قبل الإسراء والتي تأمر بالصلاة بالعشي والإبكار ثم يكفر بآيات الصلاة التي نزلت بعد الإسراء والتي تأمر بالصلاة بالعشي والإبكار .

أما الفريق الذي ذكره الشافعي فهو يزعم النسخ ثم نسخ النسخ , وهو أيضاً يكفر بآيات الصلاة التي نزلت بعد الإسراء والتي تأمر بالصلاة بالعشي والإبكار .
.
وقال ابن حجر في الفتح:  (( كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْإِسْرَاء يُصَلِّي قَطْعًا , وَكَذَلِكَ أَصْحَابه لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْل الْخَمْس شَيْء مِنْ الصَّلَاة أَمْ لَا ؟ فقيل : إِنَّ الْفَرْض أَوَّلًا كَانَ صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قَبْل غُرُوبهَا , وَالْحُجَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " وَنَحْوهَا مِنْ الْآيَات )) انتهى بتصرف يسير .

وقال ابن كثير : ( فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك ، شيئا فشيئا ) . ( تفسير ابن كثير , 7 / 164( .

وقال ابن كثير في قوله تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " [هود : 114] : ( وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء; فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها . وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة ، ثم نسخ في حق الأمة ، وثبت وجوبه عليه ، ثم نسخ عنه أيضا ، في قول ، والله أعلم ) . ( تفسير ابن كثير ) .

ولا أعلم كيف قال ابن كثير هذا الكلام , فإن سورة هود نزلت بعد سورة الإسراء وإن سورة الإسراء نزلت بعد ليلة الإسراء , فسورة الإسراء هي السورة رقم  50  حسب النزول عند الأثريين , بينما سورة هود هي السورة رقم  52  حسب النزول عند الأثريين .

وقال يحيى بن سلام في تفسيره : وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة ، أَنّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ : هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُسَمَّيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : "فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ سورة الروم" ( آية 17 ) فَهَذِهِ صَلاةُ الْمَغْرِبِ ، "وَحِينَ تُصْبِحُونَ سورة الروم" ( آية 17 ) فَهَذِهِ صَلاةُ الْفَجْرِ "وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا" ( سورة الروم آية 18 ) هَذِهِ صَلاةُ الْعَصْرِ "وَحِينَ تُظْهِرُونَ" ( سورة الروم آية 18 ) هَذِهِ صَلاةُ الظُّهْرِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : "وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ" ( سورة النور آية 58 ) فَهَذِهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ. قَالَ يَحْيَى : وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كُلَّهَا فِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ : "فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ" ( سورة الروم آية 17 ) الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ. قَالَ يَحْيَى : كُلُّ صَلاةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ فَهِيَ رَكْعَتَانِ غُدْوَةً وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّةً ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَإِنَّمَا افْتُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسَنَةٍ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الصَّلاةِ بَعْدَ ذَلِكَ ، يَعْنِي : فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. ( تفسير يحيى بن سلام ) .

علل السند : انظر فصل : افتراء الفرق الضالة على الله في معنى الآيات .

وأما قول يحيى : ( كُلُّ صَلاةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ فَهِيَ رَكْعَتَانِ غُدْوَةً وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّةً ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَإِنَّمَا افْتُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسَنَةٍ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ ، فَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الصَّلاةِ بَعْدَ ذَلِكَ ، يَعْنِي : فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ) .

فهذا تحريف وضلال مبين , لأن الصلاة في القرآن عبارة عن ثلاث صلوات ـ فرضان ونافلة ـ وتوجد آيات قبل الإسراء تدل على ذلك كما توجد آيات بعد الإسراء تدل على ذلك .

والسؤال : ألا يؤمن بصلاة الليل التي أمر الله بها في سورة المزمل وهذا قبل الإسراء بسنوات ؟

أما أثر الشَّعرة ( الإسراء والمعراج ) فهو موضوع , فضلاً عن أن الله تعالى قد أنزل آيات كثيرة بعد تاريخ الإسراء وفيها ثلاث صلوات فقط , وانظر إلى باب الأدلة من القرآن فلقد رتبتها على حسب النزول حتى يتبين للناس ما الذي نزل قبل الإسراء وما الذي نزل بعد الإسراء ؟ والسؤال : هل نكفر بتلك الآيات ؟

وأتعجب من ادعاء يحيى وأتساءل : ألم يقرأ القرآن ؟ ألم يتدبره ؟ ألم يعلم بالآيات التي نزلت بعد الإسراء ؟ هل يظن أننا سنقلده ونتبع قوله دون تبين ؟ هل يظن أننا سننبذ كتاب الله وراء ظهورنا ونتبع أي كتاب آخر له أو لغيره ؟

أعلم أن أكثر الناس قد نبذ كتاب ربه وراء ظهره واتبع الباطل , وهذا هو المعروف في تاريخ البشر فأكثر الناس على باطل , قال الله : " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ " [المائدة : 49]

وقال الله : " وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ " [الأنعام : 116]

وقال ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى : " أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)  " ( العَلَق ) : (( وقال السهيلي في «الروض الأنُف» : ذكر الحربي أن الصلاة قبل الإِسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس ( أي العصر)  وصلاة قبل طلوعها (أي الصبح) ، وقال يحيى بن سلام مثله ، وقال : كان الإِسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجرة بعام اهـ . فالوجه أن تكون الصلاة التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة غير الصلوات الخمس بل كانت هيئة غير مضبوطة بكيفية وفيها سجود لقول الله تعالى  " وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ  "  ( العلق : 19) يؤديها في المسجد الحرام أو غيره بمرأى من المشركين فعظم ذلك على أبي جهل ونهاه عنها )) . ( التحرير والتنوير , الطاهر ابن عاشور ) .

وجاء في تفسير مقاتل بن سليمان : (( فأنزل الله: " وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ " يعني الصلاة له، " بالغداة والعشي " طرفي النهار، " يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " يعني: يبتغون بصلاتهم وجه ربهم، " مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ " قال: وكانت الصلاة يومئذ ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك )) .

وجاء في تفسير مقاتل بن سليمان : (( ثُمّ قَالَ سُبْحَانَهُ: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " يعني يوم عرفه، لَمْ ينزل بعدها حلال وَلا حرام، وَلا حكم وَلا حد، وَلا فريضة، غَيْر آيتين من آخر سورة النّساء: " يستفتونك " ، " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " يعني شرائع دينكم أمر الحلال والحرام، وذلك أن اللَّه جلَّ ذكره كان فرض عَلَى الْمُؤْمِنِين شهادة أن لا إله إِلَّا اللَّه، وأن محمدا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم والإيمان بالبعث، والجنة، والنار، والصلاة ركعتين غدوة وركعتين بالعشي شيئًا غَيْر مؤقت، والكف عن القتال قبل أن يهاجر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفرضت الصلوات الخمس ليلة المعراج، وَهُوَ بعد بمكة، والزكاة المفروضة بالمدينة، ورمضان، والغسل من الجنابة، وحج البيت، وكل فريضة )) .

وجاء في تفسير مقاتل بن سليمان :  (( " فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى { 130 } وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى { 131 } وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى { 132 } " " فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ " من تكذيبهم إياك بالعذاب، " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ " يعني: صل بأمر ربك، " قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ " يعني الفجر، " وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يعني الظهر والعصر، " وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ " يعني المغرب والعشاء، " فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى " يا محمد في الآخرة بثواب الله عز وجل . مُقَاتِلُ: كانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، فلما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم فرضت عليه خمس صلوات، ركعتين ركعتين غير المغرب، فلما هاجر إلى المدينة أمر بتمام الصلوات )) .

وجاء في عيون الأثر لابن سيد الناس : (( صَلاتُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَوَّلَ الْبِعْثَةِ : الْوُضُوءُ : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الصَّلاةَ حِينَ افْتُرِضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ عَيْنٌ، فَتَوَضَّأَ جِبْرِيلُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ لِيُرِيَهُ كَيْفَ الطُّهُورُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَأَى جِبْرِيلُ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ قَامَ بِهِ جِبْرِيلُ فَصَلَّى بِهِ، وَصَلَّى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَلاتِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ جِبْرِيلُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ، فَتَوَضَّأَ لَهَا لِيُرِيَهَا كَيْفَ الطُّهُورُ لِلصَّلاةِ كَمَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ، فَتَوَضَّأَتْ كَمَا تَوَضَّأَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَلَّى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَلَّى بِهِ جِبْرِيلُ، فَصَلَّتْ بِصَلاتِهِ.كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مَقْطُوعًا، وَقَدْ وَصَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَة ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْوُضُوءِ أَخَذَ غُرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهَا فَرْجَهُ ".قَالَ السُّهْيَلِيُّ: وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيِّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِسَنَدِهِ بِمَعْنَاهُ.وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مِنَ الْفَرِيضَةِ.وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: فَرَضَ اللَّهُ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ الصَّلاةَ، رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ، ثُمَّ فَرَضَ الْخَمْسَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ.وَأَمَّا إِمَامَةُ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ لِيُرِيَهُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَضَعَهُ هُنَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لاتِّفَاقِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ صَبِيحَةَ الإِسْرَاءِ، وَهُوَ بَعْدَ هَذَا بِأَعْوَامٍ، كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا عِنْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الْمِعْرَاجِ وَالإِسْرَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى )) .

وسئل ابن عثيمين : متى فرضت الصلاة بأركانها وواجباتها؟ فأجاب ( فرضت الصلاة في ليلة المعراج حين عرج النبي صلى الله عليه وسلم وذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، وفرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الفجر، فصارت الظهر أربعاً، والعصر أربعاً، والعشاء أربعاً، وبقيت الفجر على ركعتين لأنه يطول فيها القراءة، وبقيت المغرب على ثلاث لأنها وتر النهار .والظاهر أنها شرعت على هذا الوجه من قيام وركوع وسجود وقعود، لأن حديث عائشة لم تذكر فيه إلا التغيير في عدد الركعات فقط، فعلم بذلك أن ما سواه لم يتغير ) . ( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين , المجلد الثاني عشر , باب الصلاة ) .

وجاء في الموسوعة الفقهية (27 / 52-53): ( أَصْل وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِوُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تَحُثُّ عَلَيْهَا . وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ) . انتهى  .


والآن نحقق الأثر الوارد في ذلك :

السنن الكبرى للبيهقي : (1538)- [1 : 359] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " كَانَ بَدْءُ الصَّلاةِ رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ ".

علل السند الأول :
1 ـ الحاكم النيسابوري (محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم بن الحكم , الحاكم ، ابن البيع ، ابن حمدويه ، القاضي : قاضي نيسابور ، قاضي جرجان , أبو عبد الله , الضبي الطهماني النيسابوري ) , قال ابن طاهر : ( ثقة في الحديث ، رافضي خبيث ) , وقال الذهبي : ( من بحور العلم على تشيع قليل فيه ، فهو معظم للشيخين بيقين ، ولذي النورين ، وإنما تكلم في معاوية فأوذي ) ، وفي السير قال : ( الإمام الحافظ ، الناقد العلامة ، شيخ المحدثين ) ، ومرة : ( ليس هو رافضيا ، بل يتشيع ، وسمع نحو ألفي شيخ ) , وقال مصنفو تحرير تقريب التهذيب في أبي أمية محمد بن إبراهيم الخزاعي ( محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم )  : صدوق حسن الحديث ، والحاكم نفسه كثير الأوهام .

2 ـ يحيى بن جعفر الواسطي ( يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان , أبو بكر يحيى بن أبي طالب ) , قال موسى بن هارون الحمال : ( أشهد أنه يكذب عني في كلامه ) , وقال فيه أبو أحمد الحاكم : ( ليس بالمتين ) , وقال أبو داود السجستاني : ( خط على حديثه ) , وقال الدارقطني : ( لم يطعن فيه أحد بحجة ، ولا بأس به عندي ) , وقال مسلمة بن القاسم الأندلسي : ( ليس به بأس ، تكلم الناس فيه ) .

3 ـ عبد الوهاب بن عطاء الخفاف , وقيل فيه : ضعيف , ليس بالقوي , يخطئ , أنكروا عليه حديثا في العباس يقال دلسه عن ثور .

4 ـ سعيد بن أبي عروبة العدوي ( سعيد بن مهران , ابن أبي عروبة ), وقد اختلط اختلاطاً قبيحاً , وطالت مدة اختلاطه فوق العشر سنين , وكان كثير التدليس مشهوراً به , ولم يصرح بالسماع , وكان قدرياً , وقال فيه سليمان بن طرخان التيمي : ( لا والله ما كنت أجيز شهادته لا والله ولا شهادة معلمه قتادة ) .

5 ـ قتادة بن دعامة السدوسي ( قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة , أبو الخطاب , الأكمه ، الأطرش ) , وهو مشهور بالتدليس , وقال سليمان بن طرخان التيمي في سعيد بن أبي عروبة العدوي : ( لا والله ما كنت أجيز شهادته لا والله ولا شهادة معلمه قتادة ) .

6 ـ الإرسال .

ولو افترضنا صحة سند هذا الأثر فهو قول لقتادة , ونحن نعبد الله ولا نعبد قتادة , ولن نكفر بآيات الصلاة تحت مسمى النسخ من أجل قتادة أو غيره من شياطين الإنس والجن .

علل السند الثاني :

1 ـ يحيى بن جعفر الواسطي , كما سبق .

3 ـ عبد الوهاب بن عطاء الخفاف , كما سبق .

4 ـ سعيد بن أبي عروبة العدوي , كما سبق .

5 ـ قتادة بن دعامة السدوسي , كما سبق .

6 ـ الإرسال .

ولو افترضنا صحة سند هذا الأثر فهو قول لقتادة , ونحن نعبد الله ولا نعبد قتادة , ولن نكفر بآيات الصلاة تحت مسمى النسخ من أجل قتادة أو غيره من شياطين الإنس والجن .

والخلاصة : يزعم مفسرو ومحدثو ومفتو الفرق الضالة أن عدد الصلوات المبين في القرآن وهو فرضان ونافلة منسوخ بأثر الشِّعرة ( أثر الإسراء ) , بل أجمعوا على الخمس صلوات , فقالوا : ( وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة ) .

وأنا أقول :  إن هذه الدعوى باطلة , وأن الصلوات الخمس لم تفرض أصلاً ,  انظر : فصل : بطلان دعوى النسخ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمبن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق